إجمالى عدد زيارات المدونة

الثلاثاء، أبريل 08، 2014

من أشعار نزار قبانى
قصيدة : المهرولون
-1-
سقطت آخر جدرانِ الحياءْ.   و فرِحنا.. و رقَصنا..
و تباركنا بتوقيع سلامِ الجُبنَاءْ
لم يعُد يُرعبنا شيئٌ..   و لا يُخْجِلُنا شيئٌ..
فقد يَبسَتْ فينا عُرُوق الكبرياءْ…
-2-
سَقَطَتْ..للمرّةِ الخمسينَ عُذريَّتُنَا..   دون أن نهتَّز.. أو نصرخَ..  أو يرعبنا مرأى الدماءْ..  
و دخَلنَا في زَمان الهروَلَة..   وو قفنا بالطوابير, كأغنامٍ أمام المقصلة.
و ركَضنَا.. و لَهثنا..     و تسابقنا لتقبيلِ حذاء القَتَلَة..
-3-
جَوَّعوا أطفالنا خمسينَ عاماً.   و رَموا في آخرِ الصومِ إلينا..    بَصَلَة...
-4-
سَقَطَتْ غرناطةٌ    -للمرّة الخمسينَ- من أيدي العَرَبْ.   سَقَطَ التاريخُ من أيدي العَرَبْ.  
سَقَطتْ أعمدةُ الرُوح, و أفخاذُ القبيلَة.
سَقَطتْ كلُّ مواويلِ البطولة.
سَقَطتْ إشبيلَة.    سَقَطتْ أنطاكيَه..    سَقَطتْ حِطّينُ من غير قتالً..
سَقَطتْ عمُّوريَة..   سَقَطتْ مريمُ في أيدي الميليشياتِ
فما من رجُلٍ ينقذُ الرمز السماويَّ   و لا ثَمَّ رُجُولَة...
-5-
سَقَطتْ آخرُ محظِّياتنا     في يَدِ الرُومِ, فعنْ ماذا نُدافعْ؟
لم يَعُد في قَصرِنا جاريةٌ واحدةٌ   تصنع القهوةَ و الجِنسَ..    فعن ماذا ندافِعْ؟؟
-6-
لم يَعُدْ في يدِنَا    أندلسٌ واحدةٌ نملكُها..
سَرَقُوا الابوابَ   و الحيطانَ و الزوجاتِ, و الأولادَ,
و الزيتونَ, و الزيتَ  و أحجار الشوارعْ.
سَرَقُوا عيسى بنَ مريَمْ    و هو ما زالَ رضيعاً..
سرقُوا ذاكرةَ الليمُون..   و المُشمُشِ.. و النَعناعِ منّا..   و قَناديلَ الجوامِعْ...
-7-
تَرَكُوا عُلْبةَ سردينٍ بأيدينا    تُسمَّى (غَزَّةً)..    عَظمةً يابسةً تُدعى (أَريحا)..   
فُندقاً يُدعى فلسطينَ..    بلا سقفٍ لا أعمدَةٍ..
تركوُنا جَسَداً دونَ عظامٍ    و يداً دونَ أصابعْ...
-8-
لم يَعُد ثمّةَ أطلال لكي نبكي عليها.   كيف تبكي أمَّةٌ      أخَذوا منها المدامعْ؟؟
-9-
بعد هذا الغَزَلِ السِريِّ في أوسلُو    خرجنا عاقرينْ..
وهبونا وَطناً أصغر من حبَّةِ قمحٍ..   وطَناً نبلعه من غير ماءٍ    كحبوب الأسبرينْ!!..
-10-
بعدَ خمسينَ سَنَةْ..   نجلس الآنَ, على الأرضِ الخَرَابْ..
ما لنا مأوى   كآلافِ الكلاب!!.
-11-
بعدَ خمسينَ سنةْ    ما وجدْنا وطناً نسكُنُه إلا السرابْ..
ليس صُلحاً,    ذلكَ الصلحُ الذي أُدخِلَ كالخنجر فينا..   إنه فِعلُ إغتصابْ!!..
-12-
ما تُفيدُ الهرولَةْ؟     عندما يبقى ضميرُ الشَعبِ حِيَّاً    كفَتيلِ القنبلة..
لن تساوي كل توقيعاتِ أوسْلُو..   خَردلَة!!..
-13-
كم حَلمنا بسلامٍ أخضرٍ..   و هلالٍ أبيضٍ..   و ببحرٍ أزرقٍ.. و قلوع مرسلَة..
و وجدنا فجأة أنفسَنا.. في مزبلَة!!.
-14-
مَنْ تُرى يسألهمْ عن سلام الجبناءْ؟    لا سلام الأقوياء القادرينْ.
من ترى يسألهم   عن سلام البيع بالتقسيطِ..   والتأجير بالتقسيطِ..
و الصَفْقاتِ..   و التجارِ والمستثمرينْ؟.
من ترى يسألهُم    عن سلام الميِّتين؟
أسكتوا الشارعَ  و اغتالوا جميع الأسئلة..  و جميع السائلينْ...
-15-
... و تزوَّجنا بلا حبٍّ..  من الأنثى التي ذاتَ يومٍ أكلت أولادنا..
مضغتْ أكبادنا..   و أخذناها إلى شهرِ العسلْ..
و سكِرْنا.. و رقصنا..   و استعدنا كلَّ ما نحفظ من شِعر الغزَلْ..
ثم أنجبنا, لسوء الحظِّ, أولاد معاقينَ   لهم شكلُ الضفادعْ..
و تشَّردنا على أرصفةِ الحزنِ,    فلا ثمة بَلَدٍ نحضُنُهُ..   أو من وَلَدْ!!
-16-
لم يكن في العرسِ رقصٌ عربي.ٌّ   أو طعامٌ عربي.ٌّ   أو غناءٌ عربي.ٌّ
أو حياء عربي.ٌّ ٌ   فلقد غاب عن الزفَّةِ أولاد البَلَدْ..
-17-
كان نصفُ المَهرِ بالدولارِ..    كان الخاتمُ الماسيُّ بالدولارِ..
كانت أُجرةُ المأذون بالدولارِ.   و الكعكةُ كانتْ هبةً من أمريكا..
و غطاءُ العُرسِ, و الأزهارُ, و الشمعُ,   و موسيقى المارينزْ..   كلُّها قد صُنِعَتْ في أمريكا!!.
-18-
و انتهى العُرسُ..     و لم تحضَرْ فلسطينُ الفَرحْ.
بل رأتْ صورتها مبثوثةً عبر كلِّ الأقنية..   ورأت دمعتها تعبرُ أمواجَ المحيطْ..
نحو شيكاغو.. و جيرسي..و ميامي..    و هيَ مثلُ الطائرِ المذبوحِ تصرخْ:
ليسَ هذا الثوبُ ثوبي..     ليس هذا العارُ عاري..
أبداً..يا أمريكا..  أبداً..يا أمريكا..   أبداً..يا أمريكا..